نقص المراقبين الجويين- كارثة ريغان وتداعياتها على سلامة الطيران

المؤلف: منيف الحربي10.13.2025
نقص المراقبين الجويين- كارثة ريغان وتداعياتها على سلامة الطيران

يبدو جليًا أن التاريخ يعيد نفسه بصورة مأساوية. فالحادثة الجوية المروعة التي شهدها مطار واشنطن رونالد ريغان يوم الخميس المنصرم، عندما ارتطمت طائرة مدنية بطائرة هليكوبتر عسكرية، وأسفرت عن مصرع 67 شخصًا، سلطت الضوء مجددًا على الدور المحوري الذي يضطلع به المراقبون الجويون في ضمان سلامة الطيران. إذ كشفت التقارير الأولية أن مراقبًا جويًا واحدًا فقط كان يتولى مهمة تتبع حركة الطائرتين بدلًا من اثنين، وهو ما يعد خرقًا للإجراءات القياسية. والأدهى من ذلك، ذكرت قناة CBS في تقرير لها أن 90% من مراكز المراقبة الجوية في الولايات المتحدة تعاني من نقص فادح في الأفراد المؤهلين، وأن 10% فقط من أبراج المراقبة تستوفي المعايير المطلوبة، الأمر الذي يزيد المخاوف المشروعة بشأن سلامة المسافرين جوًا.

قبل عام واحد وتحديدًا في شهر مايو من عام 2023، أدلى مدير إدارة الطيران الفيدرالية «مايك وايتاكر» بتصريح مثير للقلق من مطار ريغان نفسه، حيث قال: «نواجه نقصًا حادًا في عدد الموظفين، ونعمل بدأب لضمان الكفاءة، لكنني أؤكد للجميع أن السلامة تأتي في المقام الأول».

تجدر الإشارة إلى أن جذور هذه الأزمة المتفاقمة تعود إلى شهر مارس من عام 1970، عندما نفذت رابطة مراقبي الحركة الجوية إضرابًا احتجاجًا على ما اعتبرته إجراءات مجحفة من قبل إدارة الطيران الفيدرالية. وقد تغيّب نحو 2,000 مراقب عن العمل بحجة المرض، ما أدى إلى تأخيرات كبيرة في حركة الطيران. وبعد أسبوعين، عاد معظمهم بأمر من المحكمة، وسارع الكونغرس إلى تركيب أنظمة مراقبة آلية متطورة، وإعادة افتتاح أكاديمية تدريب المراقبين في أوكلاهوما، وزيادة الرواتب لتحسين الأوضاع الوظيفية.

وفي وقت لاحق، خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، رفضت الرابطة دعم الرئيس كارتر، وقررت تأييد مرشح الحزب الجمهوري رونالد ريغان، الذي وعد بتلبية مطالب المراقبين الجويين وتحسين ظروف عملهم. وصرح ريغان قائلًا: «سأتخذ كافة الخطوات الضرورية لتحقيق التوازن بين ساعات العمل والراحة لضمان السلامة الجوية، وأتعهد بتعزيز التعاون الوثيق بين إدارتي والمراقبين الجويين».

هذا الوعد المعسول منح المراقبين شعوراً مبالغًا فيه بقوة موقفهم التفاوضي، فدفعهم إلى التهديد بالإضراب في شهر فبراير من عام 1981، والمطالبة بتحسين الأجور، وتقليل ساعات العمل، ومنح مزايا تقاعدية سخية. وعلى الرغم من تقديم عروض مغرية من إدارة الطيران لتحسين ظروفهم الوظيفية، رفضت الرابطة هذه المقترحات، وأعلنت الإضراب رسميًا في شهر أغسطس من عام 1981.

ورد الرئيس ريغان بحزم بإصدار أمر بعودتهم إلى العمل خلال مهلة لا تتجاوز 48 ساعة، وإلا سيتم الاستغناء عن خدماتهم. ولكن لم يستجب سوى 1,300 مراقب فقط من أصل 13 ألف مراقب جوي. وعندما استمر الإضراب، اتخذ ريغان قرارًا تاريخيًا بفصل 11,345 مراقبًا ومنعهم من العمل في الخدمة الفيدرالية مدى الحياة.

واجهت إدارة الطيران مهمة شاقة لتعويض هذا النقص الهائل في الكوادر المؤهلة، واستغرق تدريب مراقبين جدد ما يقرب من ثلاث سنوات. بينما استغرقت عملية استعادة مستويات التوظيف الطبيعية عشر سنوات كاملة.

في عام 1993، ألغى الرئيس بيل كلينتون الحظر المفروض على عودة المضربين، ولكن لم يعد إلى العمل سوى 850 شخصًا فقط. وفي عام 2023، تشير الإحصاءات إلى أن عدد المراقبين الجويين في الولايات المتحدة يبلغ 14,600 مراقب جوي، وهو ما يعادل 72% فقط من العدد المطلوب لسد حاجة العمل.

وفي أعقاب الكارثة الأخيرة، انتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياسات التوظيف المتبعة في إدارات أوباما وبايدن، مشيرًا إلى أن معايير التنوع والشمول أثرت سلبًا على كفاءة القطاع. ودعا إلى مراجعة شاملة لهذه المعايير. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تعتبر دولة رائدة في مجال الطيران، إلا أن مشكلات نقص المراقبين الجويين والضغوط المهنية المتزايدة ليست حكرًا عليها، بل تعاني منها معظم دول العالم.

الضغوط الهائلة والرواتب المتواضعة وصعوبة تعويض النقص تجعل هذه المهنة الحيوية عرضة للتسرب الوظيفي والتحديات المستمرة طوال الوقت، مما يستدعي إيجاد حلول جذرية لضمان سلامة الطيران.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة